تم التصميم بواسطة عبدالقادر بارجاء

من الأقفال إلى الأكواد : رحلة التشفير عبر التاريخ

shape image

من الأقفال إلى الأكواد : رحلة التشفير عبر التاريخ

 

يعد مصطلح التشفير مصطلحاً غريباً لدى الكثيرين، إلا أن تاريخه يعود إلى زمن بعيد للغاية، أكثر مما تتصور!




ولكن قبل أن نبدأ بشرح التسلسل الزمني لعلم التشفير لابد لنا من تعريفه أولاً، فعلم التشفير يرجع أصله إلى الكلمة  اليونانية "CRYPTOGRAPHY" فالبادئة ""CRYPTO تعني باللغة اليونانية مخفي أو قبو، أما اللاحقة "GRAPHY" فهي تعني الكتابة، ليصبح المعنى في الأخير "الكتابة المخفية". والتشفير طريقة لحماية الرسائل وضمان سلامتها من التعديل أو العبث من قبل الأشخاص غير المصرح بهم، فابتُكرت - بدايةً لهذا الغرض - تقنيات بدائية كإزاحة الأحرف بعدد معين للخلف أو الأمام، فمثلاً الحروف الأبجدية هي:

Abcdefghijklmnopqrstuvwxyz

 ليصبح تشفيرها باستخدام الإزاحة:

Cdefghijklmnopqrstuvwxyzab

ولنفترض أننا حصلنا على رسالة مشفرة نصها:

"KRZ DUH BRX"

فبإزاحة 3 أحرف إلى الأمام نحصل على النص الأساسي:

"How are you".

والآن بعد أن بيّنا معنى التشفير، لنرى تاريخه وتطوره عبر العصور.

التشفير في العصور القديمة

كان التشفير في مراحله البدائية حيث استخدمته الحضارات القديمة لحماية المعلومات السرية، خاصة في المراسلات العسكرية والدبلوماسية. ومن أشهر أمثلة التشفير في تلك الفترة:

1900 عام قبل الميلاد: أقدم مثال على التشفير كان في هذا العام، ويعود إلى نقش على قبر نبيل مصري يدعى "خنومحتب الثاني".

ولم يكن التشفير معقداً آن ذاك، بل كان يعتمد على استبدال بعض الرموز الهيروغليفية برموز غير شائعة لجعل النص صعب الفهم.

كان الهدف من ذلك إعطاء الرموز طابعاً سرياً مقدساً أكثر من كونه حماية لمعلومات سرية.



1500 عام قبل الميلاد: تم العثور على ألواح طينية مكتوبة بنظام أكدي مشفر، تحتوي على وصفة سرية لصناعة نوع من الفخار، مما يشير إلى استخدام التشفير لحماية الأسرار التجارية في ذلك العصر.

(شيفرة السكيتيلا-scytale cipher): بحلول القرن السابع قبل الميلاد، استخدم الإغريق شيفرة السكيتيلا، وهي أداة تشفير استخدمها جيش أسبرطة.

كيف تعمل؟

يتم لف شريط من الجلد أو القماش حول عصا خشبية بقطر معين، تكتب الرسالة على الشريط أثناء لفه حول العصا، وعند فك الشريط، تظهر الحروف مشوشة ما لم يتم لفه حول عصا مماثلة بالحجم نفسه.

58-50 قبل الميلاد: يُنسب إلى يوليوس قيصر استخدام ما يُعرَف بشيفرة قيصر، وهي شيفرة استبدال يتم فيها استبدال كل حرف من النص العادي بحرف مختلف يتم تحديده من خلال تحريك عدد محدد من الحروف إما للأمام أو للخلف ضمن الأبجدية اللاتينية، لتبادل الاتصالات الآمنة داخل الجيش الروماني.

 

التشفير في القرون الوسطى

التشفير عند العرب والمسلمين (القرن التاسع-القرن الثالث عشر): كان للعرب والمسلمين دور في تطوير علم التشفير خاصة في عهد الخلافة العباسية، حيث وضع العالم الكندي أول أسس تحليل الشفرات في كتابه "مخطوطة في فك الشفرات".

استخدم تحليل التردد لكسر الشيفرات، حيث لاحظ أن بعض الحروف في اللغة العربية تظهر بمعدلات أعلى من غيرها، مما يساعد في فك الشيفرات المستندة إلى الاستبدال.

 ويمكن استخدام تقنيات تحليل التردد لتسريع الهجمات بالقوة الغاشمة، حيث يحاول خبراء فك الشفرات فك الرسائل المشفرة بشكل منهجي عن طريق تطبيق مفاتيح محتملة بشكل متتابع على أمل العثور في النهاية على المفتاح الصحيح.



التشفير عند الأوروبيين: بدأ التشفير يتحول من أنظمة الاستبدال البسيطة مثل شيفرة قيصر إلى تقنيات أكثر تعقيداً، مثل: شيفرة ألبرتي، وشيفرة فيجينير.

  

التشفير في العصر الحديث 

عام 1913: في بداية القرن العشرين اندلعت الحرب العالمية الأولى، وشهدت هذه الفترة تطوراً لافتاً في كل من علم التشفير للاتصالات العسكرية، وتحليل الشفرات لفك التشفير، وأدى نجاح علماء التشفير الإنجليز في فك شفرات البرقيات الألمانية إلى تحقيق انتصارات محورية للبحرية الملكية البريطانية.

عام 1917: في هذا العام ابتكر الأمريكي إدوارد هيبرن آلة تشفير كهروميكانيكية تستخدم الدوّارات الكهربائية لإنشاء تشفير أكثر تعقيداً، تعتمد فكرتها على تبديل الحروف كهربائياً بدلاً من التشفير اليدوي.

عام 1918: ظهرت آلة تشفير إنجما التي اخترعها المهندس الألماني آثر شيربيوس، واستخدمت هذه الآلة على نطاق واسع من قبل الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، وكان يعتقد أنها غير قابلة للكسر حتى تمكن آلان تورينج وفريقه في بريطانيا من فكها في الأعوام (1940-1945) م.

عام 1977: ظهرت خوارزمية DES بواسطة شركة IBM، واعتمدتها الحكومة الأمريكية، وتعد أول نظام تشفير معتمد من المعهد الوطني للمعايير والتقنية. وفي عام 1997 تم كسر هذه الخوارزمية باستخدام الحوسبة المتقدمة، مما دفع إلى البحث عن خوارزميات أكثر قوة.

عام 2001-2013: تم اعتماد خوارزمية AES كبديل لـ DES، لتظهر بعدها بروتوكولات التشفير، يليها ظهور العملات الرقمية التي تعتمد على التشفير باستخدام منحنيات إهليلجية (ECC).

عام 2020- اليوم: ظهر ما يعرف بالتشفير الكمومي الذي يعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، مما يجعله أحد أكثر أنواع التشفير أماناً من الناحية النظرية، لكن تطبيقاته لا تزال محدودة بسبب التحديات التقنية.

ومع التطور المستمر في مجالات التكنولوجيا، من المتوقع أن يستمر علم التشفير في التطور لمواكبة التهديدات المتلاحقة، مما يجعل فهمه واستخدامه حاجة ملحة لحماية البيانات باعتباره ركيزة أساسية في أمن المعلومات.

 

إرسال تعليق

© جميع الحقوق محفوظة سيئون سايبر